يوسف الصديق
قصة النبي يوسف عليه السلام
ومن
أجمل قصص القرآن عامة، وقصص الأنبياء خاصة، قصة سيدنا يوسف عليه السلام، التي تحدث
عنها القرآن الكريم في سورةٍ كاملةٍ، وهي سورة (يوسف) حيث تظهر فيها عناية الله
تعالى ورعايته لعباده الصالحين، وحكمة الله تعالى في جميع الأمور.
وتتحدث
القصة أنه كان لنبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام اثنا عشر ولدًا
ذكورًا، ومن هؤلاء الأولاد سيدنا يوسف عليه السلام.
كان
يوسف عليه السلام جميل الوجه حسن الخلقة، وكان المفضل عند والده من بين أخوته
والمحبب لقلبه، وله عنده شأنٌ عظيمٌ، فكان ذلك سببًا في حقد إخوته عليه وغيرتهم
منه وكيدهم له.
الرؤية
التي رآها يوسف في منامه
وعندما
بلغ سيدنا يوسف عليه السلام السابعة عشر من عمره، رأى في المنام أن أحد عشر كوكبًا
والشمس والقمر يسجدون له، فأسرع إلى والده يخبره برؤياه هذه (إِذْ قَالَ يُوسُفُ
لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ).
ومن
خلال نفاذ بصيرة والده عَلِم أنه سيكون ليوسف شأنٌ عظيمٌ ومكانةٌ رفيعةٌ، فطلب من
يوسف ألا يخبر أخوته بتلك الرؤيا حتى لا يكيدوا له ويدبروا له.
مؤامرة
إخوة يوسف للتخلص منه
وذات
يوم اجتمع الإخوة ليدبّروا مؤامرة ليوسف كي يبعدوه عن والده الذي يحبه حبًا
شديدًا، فاقترح أحد الأخوة بأن يقتلوا يوسف، بينما اقترح آخر بأن يلقوا يوسف في
أرضٍ بعيدة كي ينساه والده ويحبهم بدلاً من يوسف، ثم يتوبون بعد ذلك عن فعلتهم هذه.
اختار
الإخوة أن يلقوا يوسف عليه السلام في بئرٍ على طريقٍ تمر به القوافل كي تأخذه إحدى
هذه القوافل وتذهب به بعيدًا، ثم ذهبوا إلى أبيهم وطلبوا منه أن يسمح لهم بأن
يأخذوا يوسف في رحلةٍ معهم، وقالوا له: (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا
تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ).
لكن
والده يعقوب أحس بقلب الأب الحنون المحبّ لولده بشيءٍ من الخوف عليه وأنّ طلبهم
هذا لا ينذر بخير فرفض ذلك، وقال لهم: (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ
تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ
غَافِلُونَ).
إلا
أنهم أقنعوه ووعدوه بالمحافظة على يوسف، فقالوا: (قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ
الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ)؛ فكان لهم ما يريدون.
يوسف
عليه السلام وهو في البئر
فقاموا
بإلقاء يوسف في بئرٍ، ثم عادوا إلى والدهم مساءً يبكون ويزعمون أن الذئب قد أكل
يوسف عليه السلام بعد أن ذهبوا للسباق وتركوه عند متاعهم.
وقد جاؤوا على قميصه بدمٍ كذبٍ كشاهدٍ على كذبتهم، لكنّ يعقوب لاحظ أن قميص
يوسف لم يمزّق، وأحس بمؤامرتهم فوكل أمره إلى الله واحتسب، وقال لهم: (وَجَاءُوا
عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).
وبقي
يوسف في البئر، حتى أتى ذلك اليوم الذي مرت به قافلةٌ متجهةٌ إلى مصر، فأرسلت
القافلة واحدًا منهم لجلب الماء لهم من البئر، فلما ألقى بالدلو في البئر تعلق به
يوسف، فلما رأى الرجل يوسف فرح كثيرًا واستبشر به.
بيع
يوسف عليه السلام في سوق الرقيق
أخذت
القافلة يوسف معهم إلى مصر كي يعرضوه للبيع، وبينما هو في السوق معروضًا للبيع،
أتى عزيز مصر ليشتري غلامًا له؛ فوقعت عينه على يوسف وقرر أن يشتريه، فاشتراه ببضع
دراهم.
ثم عاد
به إلى البيت وطلب من زوجته أن تهتم بيوسف وتحسن معاملته فقد يصبح ولدًا لهما.
وكبر
يوسف وترعرع وتعلم في بيت عزيز مصر (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا
وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وكلما كبر أكثر ازداد جمالاً
وحُسنًا، حتى أن امرأة العزيز بدأت تُعجب به وتهتم بأمره كثيرًا، وأخذ بها إعجابها
بيوسف أن تفكر بإغرائه.
حادثة
امرأة العزيز مع يوسف عليه السلام
وفي
أحد الأيام كان العزيز خارج بيته، وبدأ الشيطان يغوي لامرأة العزيز كي تدعو يوسف
لفعل الفاحشة فتزينت وأغلقت الأبواب، وأدخلت يوسف حجرتها؛ فرفض يوسف بنبل أخلاقه
وحُسن تربيته، فهو لا يخون أمانة من رباه، وامتنع عنها ورد عليها قائلًا: (وَرَاوَدَتْهُ
الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ
هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ
يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
ثم
أسرع يوسف عليه السلام يريد الخروج من الحجرة فمنعته امرأة العزيز، وأمسكت بقميصه
فتمزق.
وفي
هذه اللحظة عاد زوجها العزيز، فأخذت امرأته تحاول تبرئة نفسها وتلفق الأكاذيب
وتتهم يوسف بمحاولة فعل الفاحشة معها، فقالت لزوجها: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ
وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ
مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ).
فردّ
يوسف بأنها هي من طلبت ذلك: (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).
فاحتكم
الزوج إلى رجلٍ من أهل زوجته يقال بأنه طفل رضيع أنطقه الله بقدرته، واتخذ هذا
الشاهد من قميص يوسف شاهدًا لإدانة أو براءة يوسف، فكان خير دليلٍ على طهارة يوسف
وعفته: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ
فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ
فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
وبذلك
تأكد العزيز من خيانة زوجته له، فقال لها: (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ
كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) وطلب منها أن تتوب عن فعلتها وتستغفر من ذنبها (واستغفري
لذِنبكِ إنّكِ كنتِ منَ الخاطئينَ).
موقف
امرأة العزيز من نسوة المدينة وإعجابهن بيوسف
وبعد
عدة أيام انتشر خبر امرأة العزيز ويوسف في المدينة، وأصبحت نساء المدينة يتحدثن
عنه ويستنكرن فعلة امرأة العزيز، فعلمت بذلك امرأة العزيز وغضبت لذلك وقامت
باستدعائهم بعد أن جهّزت لهن مقاعد مريحة وأعطت كل واحدةٍ منهن سكينًا، ثم طلبت من
يوسف أن يظهر للنسوة.
فعندما
رأينه ذُهلن به، ولشدة جماله وإعجابهن به قامت النساء بتقطيع أيديهن دون أن يشعرن،
فأخذت امرأة العزيز من إعجاب النسوة بيوسف وانبهارهنّ بشدة جماله، مبررًا لفعلتها
ولحبها الكبير ليوسف؛ فكيف لا تحبه هذه المحبة وكل من يراه يُبهر بجماله.
ولما
رأى يوسف ذلك من شدة إعجاب نساء المدينة به ناجى ربه بأن يبعده عن فعل الفاحشة حتى
لو كان مقابل ذلك إلقاءه بالسجن (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا
يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ
وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ).
يوسف
عليه السلام في السجن ورؤيا الفتيان
فوُضع
يوسف في السجن بسبب الفتنة التي أثارها في قلوب نساء المدينة، ودخل معه السجن
فتيان، أحدهما خباز والآخر ساقي، ونظرًا لما رأياه من أخلاق وأدب يوسف، أقبلا عليه
ذات يوم يقصان عليه ما رأيا في نومهما.
(وَدَخَلَ
مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا
وَقَالَ الآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ
الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)؛
ففسر لهما الرؤى بأن أحدهما سوف يُصلب وتأكل الطير من رأسه، والآخر سوف ينجو ويعمل
عند الملك.
وطلب ممن ينجو منهما بأن يذكر قصته للملك عسى أن يعفو عنه، فكان ذلك سببًا
في أن يبقى في السجن بضع سنين.
رؤيا
الملك وتفسير يوسف لها
وتمضي
السنون ويخرج الساقي من السجن ويعمل لدى الملك، لكنه ينسى أن يذكر يوسف عند الملك.
وبقي
يوسف في السجن إلى أن أتى ذلك اليوم الذي يرى فيه الملك في منامه سبع بقراتٍ سمانٍ
يأكلهن سبعٌ نحيفات، وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات، فطلب من حاشيته ومستشاريه أن
يفسّروا هذا المنام، لكنهم يجيبونه بأنه لا معنى له؛ فهو مجرد أضغاث أحلامٍ (قالوا
أضغَاثُ أحلامٍ وما نحنُ بتأويلِ الأحلامِ بعالمينَ).
وهنا
يتذكر الساقي يوسف عندما فسّر له وللخباز الرؤى التي رأياها في السجن بما آتاه
الله من علمٍ، وكيف تحقق تفسيره، فيطلب الساقي أن يذهب إلى السجن ليقابل يوسف كي
يفسر له رؤيا الملك.
وبالفعل
بدأ يوسف يفسر رؤيا الملك بأن معنى البقرات السمان والسنبلات الخضر في منامه هي
سبع سنين يكثر فيها الخير فيجب على الملك أن يدخر في هذه السنوات الحنطة في سنبلها
لأنه سوف يأتي بعدها سبع سنوات من القحط والجوع.
بعدها
ذهب الساقي إلى الملك وأخبره بتفسير يوسف للرؤيا، ففرح الملك وطلب مقابلة يوسف
ليكافئه على ذلك، فطلب يوسف من الملك أن يحقق في سبب سجنه، فأرسل الملك في طلب
امرأة العزيز وباقي النسوة وسألهن عن الأمر فاعترفن بخطئهن وبعفة يوسف وبراءته.
خروج
يوسف من السجن بعد ظهور براءته
عندئذٍ
قرر الملك أن يُخرج يوسف من السجن بعد أن ظهرت براءته وقربه منه، وقد اختار يوسف
أن يكون أمينًا على خزانة الدولة فوافق الملك على ذلك.
وبدأت
تتحقق رؤيا الملك وانتهت سنوات الرخاء وبدأت سنوات القحط والجوع، لكن الملك كان قد
عمل بتفسير يوسف للرؤيا ووصيته، فخزّن من الطعام ما يكفي لتجاوز هذه السنوات
العجاف، فأصبح الناس يتوافدون إلى مصر من كل مكان ليأخذوا حاجتهم من الطعام
والحبوب.
لقاء
يوسف عليه السلام بإخوته في سنين الجدب
وفي
أحد الأيام أثناء توزيع الطعام على الناس جاء إخوة يوسف ليأخذوا حظهم من الطعام
كبقية الناس، فرآهم يوسف وتعرف عليهم دون أن يستطيعوا هم معرفته لكبره وتغير
ملامحه.
اشترط
يوسف على إخوته أن يأتوا بأخيهم الذي بقي عند والدهم؛ كي يزودهم بما يحتاجونه من
الطعام (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ
أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ
فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ).
فأخبروه
أنهم سيحاولون ذلك لكنهم في داخلهم يعلمون مكانة أخوهم عند والدهم وأن ذلك ليس
بالأمر اليسير بالنسبة لوالدهم وخاصة بعد أن فقد يوسف المحبب إلى قلبه، وقبل أن
يعودوا إلى بلدهم أمر يوسف جنوده بوضع البضاعة التي أحضرها إخوته ليستبدلوا بها
القمح والعلف.
وعندما
عاد إخوة يوسف إلى والدهم أخبروه بالقصة وبالشرط الذي اشترطه يوسف عليهم، ووعدوه
بأن يحافظوا على أخيهم، لكن يعقوب عليه السلام خاف منهم أن ينكثوا بوعدهم كما
فعلوا عندما أرسل معهم يوسف للصيد فرفض ذلك (قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ
كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ
أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ).
وعندما
فتح الإخوة أمتعتهم وجدوا بضاعتهم التي ذهبوا بها إلى يوسف ليبدلها لهم بأنها
مازالت لديهم، فأخبروا والدهم أن بضاعتهم ردت إليهم، وأخذوا يحاولون إقناعه بأن في
إرساله لأخيهم مصلحتهم في الحصول على الطعام وزيادة الكيل.
وفي
النهاية وافق والدهم على ذلك شريطة أن يحافظوا عليه بعد أن يُعطوه القسم على ذلك،
ثم أمرهم ألا يدخلوا جميعهم – وهم أحد عشر رجلاً – من بابٍ واحدٍ، ولكن من أبوابٍ
عديدة.
لقاء
يوسف بأخيه بنيامين وحادثة السقاية
نفّذ
الإخوة وصية والدهم لهم ودخلوا مصر من أبوابٍ متفرقة، وعندما وصلوا إلى يوسف، أخذ
يوسف أخيهم الصغير الذي جاؤوا به، وجلس معه بمفردهم وأخبره بقصته مع أخوته
ومكيدتهم له.
ثم وزن
يوسف البضاعة لإخوته، فلما استعدوا للعودة إلى بلادهم، طلب يوسف من فتيانه بوضع
السقاية (إناء كان يُكال به) في رحل أخيه الصغير.
وعندما
بدأت القافلة في الرحيل إذا بمناد ينادي ويشير إلى إخوة يوسف (فَلَمَّا جَهَّزَهُم
بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ
أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ).
فتساءلوا
عن سبب هذا الاتهام لهم (ماذا تفقدون)؟ قال الجنود: (نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ)،
ولمن جاء بها سنعطيه حمل بعير من الغلال.
فاستنكر
إخوة يوسف هذا الاتهام الموجه لهم، فهم لم يأتوا للسرقة بل جاؤوا لطلب الطعام.
قال
الحراس (وكان يوسف قد وجههم لما يقولونه): ما هو الجزاء الذي ترغبون به إن ظهر
أنكم أنتم من سرقتم؟ قال إخوة يوسف: في شريعتنا نعتبر من سرق عبدًا لمن سرقه.
وبدأ
التفتيش، فأمر يوسف جنوده بتفتيش أوعية إخوته فلم يجدوا شيئًا ثم فتشوا وعاء أخيه
فوجدوا فيه إناء الكيل. فتبرأ الأخوة من أخيهم وفعلته وقالوا: (قَالُواْ إِن
يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ).
فحزن
يوسف على ما سمعه من اتهامهم له أيضًا بالسرقة، وقال في نفسه: (أَنتُمْ شَرٌّ
مَّكَانًا وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ) لأنهم يتهمونه وأخوه ظلمًا وزورًا.
لكنهم
أخذوا يترجّون يوسف بأن يُعيد لهم أخوهم أو أن يأخذ أحدهم بدلاً عنه، ذلك أنه
كانوا قد وعدوا أبيهم بأن يحافظوا على أخيهم، لكن يوسف رفض وقال: (قَالَ مَعَاذَ
اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا
لَظَالِمُونَ).
رجوع
أبناء يعقوب إلى أبيهم بدون بنيامين وأخيهم الأكبر
وعندما
يئسوا من إعادة أخيهم احتاروا في أمرهم ماذا سيقولون لأبيهم عند عودتهم؟! فقرر
كبيرهم البقاء في مصر وألا يواجه أبوه حتى يأذن له هو بذلك، وطلب من إخوته أن
يعودوا إلى أبيهم ويخبروه بما حدث، وإن شك في ذلك فليسأل القافلة التي كانوا معها
أو أهل المدينة التي كانوا فيها.
لكن
والدهم شك في الأمر ولم يصدقهم، وحزن حزنًا شديدًا على يوسف وأخيه وفوض أمره إلى الله
تعالى، وقال لهم: (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ
الْحَكِيمُ) ولشدة بكائه واستمراره فقد بصره فاغتاظ أبناؤه وقالوا: (قَالُوا
تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ
الْهَالِكِينَ).
فطلب
منهم يعقوب عليه السلام أن يبحثوا عن يوسف وأخيه؛ فهو يشعر بقلب المؤمن أن يوسف
مازال حيًّا والمؤمن لا ييأس من رحمة الله أبدًا.
استغفار
يوسف لأخوته
سافر
الإخوة إلى مصر يبحثون عن أخيهم ويلتمسون بعض الطعام وليس معهم إلا بضاعة رديئة،
ولما دخلوا على يوسف قالوا له: (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا
الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ
فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي
الْمُتَصَدِّقِينَ).
رد
عليهم يوسف بهذا السؤال: (قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ
وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ).
فتفاجؤوا
مما سمعوه وقالوا: (قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ
وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنَّ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ
فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
فقصّ
عليهم يوسف ما حدث له، وكيف منّ الله عليه وأصبح أمينًا على خزائن البلاد، فاعتذر
له إخوته وأقروا بخطئهم فعفا يوسف عنهم وسأل الله لهم المغفرة (قَالَ لاَ
تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ).
ثم
أعطاهم قميصه ليلقوه على وجه والدهم كي يعود إليه بصره (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي
هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ
أَجْمَعِينَ).
عودة
البصر إلى نبي الله يعقوب
وبينما
الإخوة في الطريق إلى والدهم عائدين من عند يوسف، بدأ يعقوب عليه السلام يشم رائحة
يوسف فأخبر من حوله بذلك، لكنهم لم يصدقوه وأن ذلك نسج خيال، وقالوا له: (قَالُوا
تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ).
وما أن
وصل الإخوة إلى أبيهم حتى ألقوا قميص يوسف على وجهه فرجع إليه بصره، وطلب إخوة
يوسف من أبيهم أن يستغفر لهم فوعدهم يعقوب بأنه سيستغفر لهم الله.
(قَالُواْ
يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ * قَالَ
سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)
لقاء
يعقوب بيوسف وبنيامين في مصر
توجه
يعقوب وأهله إلى مصر كي يرى ولديه يوسف وأخيه، فاستقبلهم يوسف أحسن استقبالٍ، ورفع
أبويه وأجلسهما على كرسيه، فانحنوا له احترامًا وتقديرًا له، وهكذا تحققت رؤيا
يوسف القديمة التي رآها وهو صغير، فالأحد عشر كوكبًا بعدد إخوته، والشمس والقمر
هما أبواه.
(وَرَفَعَ
أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا
تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ
بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ
أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا
يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
فحمد
يوسف الله تعالى على ما أكرمه به من ملكٍ، وما آتاه من علمٍ: (رَبِّ قَدْ
آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ تَوَفَّنِي
مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ).
وهكذا
تنتهي قصة سيدنا يوسف عليه السلام حاملةً معها دروسًا عظيمةً في الصبر وقوة
الإيمان، مبينةً حكمة الله تعالى ولطفه بعباده الصالحين وتوليه أمورهم، فالله
تعالى يبتلي عباده حتى يميّز صدق الصادقين وكذب الكاذبين، ويجزي المؤمنين عن صبرهم
خير جزاء، فهنيئًا للصابرين (وبشِّر الصّابرين).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire