أعلان الهيدر

mercredi 11 décembre 2019

الرئيسية علي باش حانبة

علي باش حانبة

علي باش حانبة

علي باش حانبة

يعدّ علي باش حانبه من الشخصيات المؤسسة للحركة القومية التونسية، فقد تفرغ للعمل السياسي و الإجتماعي منذ بداية شبابه، فكانت حياته على قصرها ثريّة بالمشاريع التنظيمية و بالتجارب الإنسانية و السياسية العميقة .
ولد علي باش حانبه بمدينة تونس سنة 1867، و كان والده من أعوان الوزير (مصطفى بن إسماعيل)، تلقى تعليمه بالمدرسة الصادقية، و بعد حصوله على شهادة ختم الدراسة عيّن وكيلاً بالمعهد الذي تعلم فيه مكلّفاً بالتصرّف في العقارات الراجعة له بالنظر، و لكنه لم يلبث أن إنتسب إلى جامعة (Aix) الفرنسية لدراسة القانون، فأعدّ الإجازة ثم أحرز الدكتوراه في الحقوق، ممّا مكنه من التخلي عن الوظيفة و الإنخراط في سلك المحامين .
تشبّع علي باش حانبه خلال دراسته ثم إقامته بالخارج بالقيم و المبادئ الليبراليّة و الأساليب الحديثة في التنظّم و التسيير، و لعلّ هذا ما دفعه إلى معالجة مظاهر القصور في مجتمعه بترويج الأفكار الإصلاحية و العمل على ترجمتها ميدانيّاً ، و هكذا راح دعو إلى النهوض بالتونسيين بتعميم الحداثة و توجيهها توجيها قومياً، و إتخذت دعوته أسلوباً عملياً منظماً من خلال المساهمة في بعث منابر جديدة للحوار و التبليغ منها (المنتدى التونسي|Le cercle Tunisien) و جمعيّة قدماء الصادقية و جرائد (Le Tunisien) و (التونسي) و (الإتحاد الإسلامي) .
إنخرط باش حانبه في النشاط السياسي في بداية القرن 20 فكان يتعامل مع النظام الإستعماري وفق تطوّر الوضع داخل تونس و خارجها، فإتسم أسلوبه في بداية الأمر (1905-1910) بمهادنة حكومة الحماية، ثم أخذ طابع التحدي المستتر حيناً و المعلن أحياناً، فلمّا قرّرت السلط إبعاده عن تونس (1912) أظهر عداء واضحاً للإستعمار و أصبح في عداد المتمرّدين .
كان علي باش حانبه في بداية نشاطه السياسي يطالب مثل بقية رفقائه بتشريك التونسيين في تصريف شؤونهم الإداريّة و في تسيير دواليب الحياة السياسية، و المساواة في الأجور بينهم و بين الموظفين الأوروبيين و الدفاع عن حق الفلاح التونسي في إمتلاك أساليب الإنتاج العصري كغيره من المعمرين، كما كان يؤمن بجدوى العمل السلمي الذي يكون أساسه التقارب بين التونسيين و الفرنسويين للأخذ بأسباب الوعي و التنظّم المحكم على المستوى الإجتماعي من ذلك دفاعه المستميت عن المدارس و إحتجاجه على إغلاق بعضها بالجنوب و دعوته لتمويل بعثات صيفية تلمذية إلى فرنسا ليرى الجيل الجديد و يعي الفارق الحضاري و يقف على أساليب الحياة العصرية التي تمكّن من بناء مجتمع تونسي ينافس المجتمعات الأوروبية من ناحية الوعي الإجتماعي و السياسي و التطوّر الإداري لذلك كان يدعو إلى الإقتداء بالأساليب الغربية في التنظم و التفكير دون التفريط في مقومات الهوية القومية، و كانت الغاية من رواء هذه المطالب تغلغل العنصر التونسي في الإدارة، إنشاء جيل جديدة متعلّم متنوّر و تقوية القدرة الإنتاجية للفلاح التونسي، خلق أجواء ملائمة و عقلية جديدة بإمكانيات ماديّة و فكريّة قادرة على مزاحمة الإستعمار و طرده حين تتمكن من أسباب القوة في بلادها، فقد كان علي باش حانبه و رفاقه يعون مقدار الهوّة الفاصلة بينهم و بين فرنسا الإستعمارية و ميزان القوى اللامتكافئ حينها حتى من ناحية القوى المدنية فما بالك بالعسكرية . و قد قاده هذا الموقف المعتدل إلى الإقرار بلزوم التعامل مع الحماية الفرنسوية و الدعوة للتعاون معها، و لكنه لم يلبث أن أصيب بخيبة أمل بسبب تحفظ الحكومة و تشدّد المتفوقين من غلاة الإستعمار .
إتجهت الأنظار إلى علي باش حانبه بعد صدور جريدة (التونسي|Le Tunisien) و تعيينه بإجماع أقرانه مديراً سياسياً لها (فيفري1907) فأظهر براعة في الجدل السياسي و القانوني و واجه آراء غلاة الإستعمار بالنقاش و الحجّة، و تقول المصادر الأرشيفية الفرنسوية أنّ علي باش حانبه أصبح زعيما لـ'حزب الشباب التونسي' بعد إنسحاب العناصر المعتدلة منه فأعطاه واجهة متشدّدة و أصبح العقل المدبّر لجميع المواقف المناهضة للحماية .
و قد برزت خصال باش حانبه التنظيمية و القيادية إبتداء من سنة 1910، إذ أصبح لا يتوانى عن العمل السياسي المباشر فنزل إلى الساحة العامة خطيباً يشدّ أزر طلبة الزيتونة المضربين (16-28 أفريل)، داعماً مطالبهم بتعصير التعليم الزيتوني من ناحية الإدارة و المناهج الدراسية، و فتح لهم أعمدة جريدة (التونسي)، و كانت الحرب التركية الإيطالية في طرابلس مناسبة جديدة لتاكيد مناهضته للإستعمار الأوروبي و إعلان تضامنه مع الجامعة الإسلامية أملاً منه في دعم عثماني إذا ما رجحت الكفة لصالحهم، فأصدر بالمناسبة جريدة (الإتحاد الإسلامي) التي أشرف عليها (عبد العزيز الثعالبي) و ساهمت في تحريرها أقلام تونسية معروفة مثل (محمد الجعايبي) و (الصادق الزمرلي) .
و تقول التقارير الفرنسوية أنه أنشأ لجنة سريّة لجمع التبرّعات لفائدة المقاومة في طرابلس بإسم الهلال الأحمر .
و كانت أحداث الزلاج (7-8 نوفمبر 1911) نقطة فاصلة بالنسبة لعلي باش حانبه و لحركة الشباب التونسية بصفة عامة، حيث أذهلت تلك الهبّة الجماهيرية العفوية و صدامها العنيف مع سلطة الإستعمار كلّ الطبقة المثقفة، و أيقن أن الأمة التونسية قابلة للتنظم في كلّ وقت و أنّ روح الثورة الأولى (1881) لم تندثر كما كان يعتقد، فبدأ من وقتها العمل على الإستقطاب و التنظيم السرّي لمجموعات من عمّال المناء و طلبة الزيتونة .
و تجلّى طموح باش حانبه القومي من خلال الحركة الإحتجاجية التي إنتظمت بمناسبة مقاطعة التونسيين للترامواي في شهر فيفري 1912، فقد تزعم اللجنة السرية التي تكوّنت لتأطير الحركة، و حرّك المظاهرة التي إنتظمت في الأسواق في 1 مارس 1912 بمناسبة زيارة الباي لها عشيّة المولد النبوي، كما أظهر خلال المفاوضات التي جرت مع الكاتب العام للحكومة و مدير الأمن ثباتاً على الموقف لذلك تم نفيه بأمر صادر عن الباي في 13 مارس 1912 و جرى تسفيره فجراً من ميناء بنزرت في إتجاه مرسيليا .
و رغم إلغاء أمر الإبعاد بعد ستة أشهر فقد رفض باش جانبه العودة إلى تونس بعد إقتناعه بعدم جدوى العمل السلمي الإصلاحي في ضلّ الإستعمار خاصة و أنّ غلاة الإستعمار بتونس كانو يوجهون سياسة الحكومة عبر نواديهم و جورنالاتهم ، مفضلاً الإستقرار بإسطنبول علّه يستفيد من ظروف الحرب العالمية الأولى ليجد سبيلاً من خلال علاقاته التي بناها مع بعض القيادات العسكرية (أنور باشا) لدعم ثورة مسلّحة شاملة في المملكة التونسية، و هناك إتصل بالمهاجرين الجزائريين و التونسيين المستقرين بإسطنبول و بدأ في تعبأبتهم، بغرض حشدهم في إنزال بحري على السواحل التونسية عن طريق غواصات ألمانية و تركية .
و قد أتيح لعلي باش حانبه الإنخراط في سلك الإدارة العثمانية حيث تم إنتدابه بصفة مفتّش للعدلية في إقليم إسطنبول ثم كمستشار دولة و أخيراً كرئيس تفقديّة بوزارة العدلية، و هذا ما أتاح له تدعيم علاقته بظبّاط الجيش العثماني و أعظاء (تركيا الفتاة) و (الإتحاد و الترقي) بعد أن كانت مقتصرة على أعمدة الصحف، أملاً منه في دعم فكرة الإنزال البحري بالغواصات بعد التنسيق مع الجانب الألماني، لذلك إعتبرته فرنسا في حلة تمرّد و قامت بعقل أملاكه في تونس و بيعها لفائدة الدولة بمقتضى أمر صادر في 5 جويلية 1917 .
لكن التدهور السريع للدولة العثمانية و إستسلام ألمانيا، حال دون تنفيذ خطة الإنزال، بالإظافة لمرض مفاجئ طرأ على باش حانبه أقعده بإسطنبول أين توفي ليلة سقوط المدينة 29 أكتوبر 1918، و قد أمر (أنور باشا) بدفنه سريعاً حتى لا يمثل العدو بجثته كما يفعل مع مناوئي الإستعمار .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

.
https://mawsou3at.book/.com. Fourni par Blogger.