ابن سينا ,
سيرته و إسهاماته في الطب
من هو ابن سينا؟
ابن سينا هو أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، عالم
وطبيب مسلم من بخارى، اشتهر بالطب والفلسفة واشتغل بهما. ولد في قرية أفشنة بالقرب
من بخارى (في أوزبكستان حاليا) من أب من مدينة بلخ (في أفغانستان حاليا) وأم قروية
سنة 370 هـ (980م) وتوفي في مدينة همدان (فيإيران حاليا) سنة 427 هـ (1037م). عُرف
باسم الشيخ الرئيس وسماه الغربيون بأمير الأطباء وأبو الطب الحديث في العصور
الوسطى. وقد ألّف 200 كتاب في مواضيع مختلفة، العديد منها يركّز على الفلسفة والطب.
ويعد ابن سينا من أول من كتب عن الطبّ في العالم ولقد اتبع نهج أو أسلوب أبقراطو
جالينوس. وأشهر أعماله كتاب القانون في الطب الذي ظل لسبعة قرون متوالية المرجع
الرئيسي في علم الطب، وبقي كتابه (القانون في الطب) العمدة في تعليم هذا الفنِّ
حتى أواسط القرن السابع عشر في جامعات أوربا ويُعد ابن سينا أوَّل من وصف التهاب
السَّحايا الأوَّليِّ وصفًا صحيحًا، ووصف أسباب اليرقان ، و وصف أعراض حصى
المثانة، وانتبه إلى أثر المعالجة النفسانية في الشفاء .
إسهاماته في الطب
في لفتة إنسانية فإن ابن سينا لما نبغ في الطب قام بعلاج المرضى تأديا
وبالمجَان، لا تكسُبا أو لجمع المال ؛ وذلك حبًّا للخير والاستفادة بالعلم، وقد
واتته فرصة عظيمة عندما نجح في علاج الأمير نوح بن منصور وهو في السابعة عشرة من
عمره، ذلك الأمر الذي عجز عنه مشاهير الأطباء، فنال بذلك شهرة عظيمة، كما جعل
أمراء هذا البيت يُنعِمون عليه، ويفتحون له دور كتبهم؛ ليعبَئ منها علمًا غزيرًا
لم يتوفر ولم يتحصَّل لغيره، وعمره لم يأتِ بعدُ الثامنة عشرة .
استطاع الشيخ الرئيس ابن سينا - بفضل ما منَّ به الله عليه من العقل والعلم
وسعة الاطّلاع والولع الشديد بالمعرفة - أن يُقدم للإنسانية أعظم الخدمات
والاكتشافات والابتكارات التي فاقت عصرها بالقياس إلى إمكانات ذلك العصر ومدى ما
وصلت العلوم فيه آنذاك، وبالأخصِّ في جانب الطب ؛ فإليه يرجع الفضل في اكتشاف
العديد من الأمراض التي ما زالت منتشرة حتى الآن ؛ إذ إنه أول من كشف عن
طفيلة (الإنكلستوما)، وسماها في كتابه (القانون
في الطب) في الفصل الخامس الخاص بالديدان المعوية : الدودة المستديرة، ووصفها
بالتفصيل لأول مرة، وتحدَّث عن أعراض المرض الذي تُسببه .
وعن هذا الفتح الكبير كتب الأستاذ الدكتور محمد خليل عبد الخالق مقالاً في
مجلة الرسالة، جاء فيه: "... قد كان لي الشرف في عام (1921 م ) أن قمت بفحص ما جاء
في كتاب القانون في الطب، وتبيَّن لي أن الدودة المستديرة التي ذكرها ابن سينا هي
ما نسميه الآن بالإنكلستوما، وقد أعاد (دوبيني)
اكتشافها بإيطاليا عام (1838 م )،
أي بعد اكتشاف ابن سينا لها بتسعمائة سنة تقريبًا، ولقد أخذ جميع المؤلفين في علم
الطفيليات بهذا الرأي في المؤلفات الحديثة، كما أخذت به مؤسسة (روكلفر) الأمريكية
التي تعنى بجمع كل ما كُتِب عن هذا المرض... ولذلك كتبتُ هذا ليطلع عليه الناس،
ويُضيفوا إلى اكتشافات ابن سينا العديدة هذا الاكتشاف العظيم لمرض هو أكثر الأمراض
انتشارًا في العالم الآن" .
ثم إنه تطرَّق إلى بعض أنواع الديدان الطفيلية التي تعيش بعيدًا عن القناة
الهضمية ؛ مثل: ديدان العين، التي تُفَضِّل منطقة العين، وديدان الفلاريا
المسبِّبَة لداء الفيل، فتراه يقول عن
الأخير: "هو زيادة في القدم وسائر الرِّجْل على نحو ما يعرض في عروض الدوالي
فيغلظ القدم ويكثفه" .
كما أنه أول من وصف الالتهاب السحائي، وأول من فرَّق بين الشلل الناجم عن سبب
داخلي في الدماغ والشلل الناتج عن سبب خارجي، ووصف السكتة الدماغية الناتجة عن
كثرة الدم، مخالفًا بذلك ما استقرَّ عليه أساطين الطب اليوناني القديم، فضلاً عن
أنه أوَّل من فرَّق بين المغص المعوي والمغص الكلوي.
وكان ابن سينا صاحب الفضل في علاج القناة الدمعية بإدخال مسبار معقَّم فيها! وابن
سينا هو الذي أوصى بتغليف الحبوب التي يتعاطاها المريض، وكشف في دقَّة بالغة عن
أعراض حصاة المثانة السريرية، بعد أن أشار إلى اختلافها عن أعراض الحصاة الكُلوية،
يقول الدكتور خير الله في كتابه الطب العربي : "ويصعب علينا في هذا العصر أن
نُضيف شيئًا جديدًا إلى وصف ابن سينا لأعراض حصى المثانة السريرية".
كما كان لابن سينا باع كبير في مجال الأمراض التناسلية ؛ فوصف بدقَّة بعض
أمراض النساء؛ مثل: الانسداد المهبلي, والإسقاط، والأورام الليفية. وتحدَّث عن
الأمراض التي يمكن أن تُصيب النفساء؛ مثل: النزيف، واحتباس الدم، وما قد يسبِّبه
من أورام وحميات حادَّة، وأشار إلى أن تَعَفُّن الرحم قد ينشأ من عسر الولادة أو
موت الجنين، وهو ما لم يكن معروفًا من قبلُ. كما تعرَّض -أيضًا- للذكورة والأنوثة
في الجنين, وعزاها إلى الرجل دون المرأة، وهو الأمر الذي أكَّده مؤخَّرًا العلم
الحديث.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire