أهم معارك وإنتصارات حنبعل خلال
الحرب البونيقية الثانية
كانت هيئة
أركان جيشه تتكون من: ماجو برقة، وماهربعل قائد سلاح الفرسان البونيقي، الذي تقلد
هذه القيادة منذ عهد والد حنبعل أميلكار برقه، ويكن له حنبعل حبا فائقا، وهيرت،
وسينهالوس المصري كبير الأطباء، والاغريقيين سوسيلوس، ووسلينوس، وبوح الهندي منجم
الحملة، والاسبرطي سوسيليوس الذي علم حنبعل اليونانية.
غزو روما
وعبور جبال الألب
-في سنة 654
ق.م قرر حنبعل التقدم بجيشه بعد أن ترك شقيقه صدربعل علي رأس ولاية قرطاجنة بهسبانيا
التي كانت تابعة لامبراطورية قرطاج.
-وقد قرر
حنبعل الإسراع في بدء حملته البرية، بعد أن وصلته أنباء من جواسيسه بأن الرومان
يستعدون لتطبيق خطة بنقل الحرب الي أفريقيا في عقر دار قرطاج.
-كان حنبعل
يقول لقادة أركان جيشه: في حالة وصولنا لنهر البو قبل فوات الأوان، نستطيع أن نمسك
بتلابيب جيوش الغزو الرومانية داخل إيطاليا نفسها، فلا تصبح مدينة قرطاج ميدانا
للحرب، وحينئذ تقع تكاليف الحرب ولأول مرة، علي الرومان وعلي بلادهم فيكتوون
بآلامها، ويحرقون بنارها... فالسرعة ثم السرعة.
معركة
تسينو
وخاض حنبعل
أول معركة وهي معركة تسينو التي دارت علي شواطئ نهر تسينو. حسمها حنبعل لصالحه
بخطة سريعة لعب فيها الفرسان البونيقيون دورا حاسما عندما طوقوا من الخلف كتائب
الرومان الثقيلة بحيث لم تصمد برماحهم الطويلة أمام حراب القرطاجيين القصيرة
والخفيفة والنافذة، وما هي الا لحظات حتي سقط القنصل ببليوس قائد الجيش تحت سنابك
خيل هؤلاء الفرسان المردة. عاد هذا القنصل لروما جريحا وهو يردد لخاصته كيف وقع من
صهوة جواده وسط فرسان غرباء لم ير مثلهم في حياته من قبل في سرعة الكر والفر،
ويقصد الفرسان.
معركة
تريبيا
ووجهت روما
جيشا ثانيا ضخما بقيادة قنصل جديد هو تيبيريوس سامبرونيوس لمسح هزيمة معركة تسينو،
وأعد حنبعل له فخا علي ضفاف نهر تريبيا حيث دارت معركة تريبيا حسمها حنبعل باختيار
مكان المعركة وهو سهل غمره الفيضان فأوحلت تربته ولم يره خصمه، اختاره وهو يردد
قول أبيه حملقار برقة: دع الأرض تقاتل عنك.
أمر حنبعل
خمسمائة من خيرة الفرسان النوميديين وأصدر توجيهاته لقائدهم فقال له: توجهوا في
بداية الليل الي معسكر العدو، اقتربوا من خنادقهم راكضين، وعندما يتصدي لكم
فرسانه، التحموا معهم في معركة، ثم ولوا هاربين ممثلين اندحارا، فسيتبعكم العدو،
وجهوه عند ذلك السهل الضحل حيث الكمين. ووقع القائد الروماني في الفخ.. وانطلقت
المعركة فأعطي القنصل الأمر ببدء المعركة بتعقب النوميديين المراوغين... وهُزم
الرومان شر هزيمة.
وأهم ما
أسفرت عنه هذه المعركة تحالف حنا بعل مع شعب غال سيسالبين وانضم له في الشهرين
التاليين 14000 من مقاتليهم الأشداء، فاستقبلهم وهو يردد قولته المشهورة: إذا
أحرزت نصرا انضم اليك الجميع حتي خصومك، أما إذا حاقت بك الهزيمة تخلي عنك حتي
محبوك.
وبعد
انقضاء شهري الشتاء قرر التوجه جنوبا نحو روما، ووقع في مستنقعات، وانتشرت الحمي بين
جيشه وفقد نتيجة لاصابته بها احدي عينيه.
موقعة
ترازايمين
في اليوم
الحادي والعشرين من شهر حزيران ـ يونيو 217 ق. م. تقدم جيش روماني ضخم تعداده
أربعون ألفا بقيادة جايوس فلامينيوس نيبوس نحو بحيرة ترازايمين تحت رقابة الفرسان
البونيقيين، كان يلفه ضباب كثيف، وكان حنبعل قد رصده بواسطة جواسيسه من بعيد،
وترصد للمكان الذي سيخرج منه وهو يسيطر علي المرتفعات التي تشرف علي مكان مروره. وفجأة
ومن خلال الضباب هاجم القرطاجيون من مواقع مثالية، فكانت الصاعقة المفاجئة تحل علي
رؤوس الرومان.
وأرسل
حنبعل بسائر فرقه لتهاجم في وقت واحد، وكان يراقب من موقع عال فوق الطرف الأقصى من
طريق البحيرة، وسد فرسان ماهربعل النوميديون، مصحوبين بمشاة الأفارقة، مدخلَ شاطئ
البحيرة الهلالي الشكل. وهكذا وقع القنصل في نفس المصيدة الذي كان ينوي ايقاع
حنبعل فيها. وأطبقت كماشة الجيش القرطاجي من كل ناحية، بحيث لم تجد كتائب الرومان
مجالا للمناورة ولا حتي للهروب. وما كادت تحل الساعة العاشرة صباحا حتي كانت موقعة
بحيرة ترازايمين قد انتهت. وصار بذلك ستة آلاف من الجنود الأشداء أسري حنبعل. وهكذا
تمكن الجيش القرطاجي الذي أنهكته الحمي قبل أيام، بجياد هزيلة من إبادة جيش قوي
خارج للتو من معسكراته ينعم بالصحة والعافية، تمكن من هزمه وأسر خمسة عشر ألفا من
خيرة جنوده. وأطلق سراح الأسرى من الشعوب الأخرى وهو يقول لهم: ما جئت لأشن الحرب
علي الشعوب المستعْمَـرة، بل ولا حتي علي الإيطاليين، وانما جئت لأساعد الجميع ضد
حكام روما الظالمين.
تجمعت
جماهير روما بساحة الفوروم، بعد أن وصلت أنباء كوارث الهزائم. وبقيت أبواب مجلس
الشيوخ مغلقة أمام الجماهير، وبعد طول الحاح خرج اليهم القنصل بومبونيوس ماثو
بمفرده واعتلي درج مدخل المجلس، وألقي عليهم خطابا يتكون من اثنتي عشرة كلمة: لقد
قهر العدو جيوش روما في موقعة عظيمة مات فيها أحد القنصلين.
موقعة
كاناي العظمى
واستمرت
القوات الرومانية في تكتيك العرقلة، لكن حنبعل بمجرد أن تأكد أن جنوده أخذوا ما
ينبغي أخذه من الراحة، واستوعبوا تدريبات عالية، قرر المرور الي الاستدراج، وخلق
سائر الظروف علي مدي أشهر لموقعة كاناي العظمي التي بدأت في فجر اليوم الثالث من
شهر آب ـ أغسطس سنة 216 ق.م. قام حنبعل بمناورات علي مدي أشهر جعلت العدو يحرك
قوات جبارة الي كاناي.
كان ماركوس
روفوس صغير السن، وقام حنبعل بمناورة فهم منها الضابط الروماني أنه صار يخاف
المواجهة ويهرب. وهكذا انطلت عليه مناورة حنبعل الذي أظهر تقهقرا منهزما زيادة في
اتقان حبكة الاستدراج الكبير الذي يعده لخصمه المغرور. كان حنبعل يقود جيشا من
أربعين الفا، بينما كان جيش عدوه يتجاوز المائة ألف، نصفهم من المجندين حديثا،
واعتبر أنه أقوي جيش علي الإطلاق جمعته روما في تاريخها. وزيادة في الخديعة قام
الفرسان النوميديون في خفة الأشباح بغارة صدتها القوات الرومانية بنجاح، وتقهقر
الفرسان مظهرين انهزامهم، فقرر عند ذاك القنصلان فارو وأميليوس مطاردة العدو
المنهزم، وتقهقر القائد ماهربعل عبر نهر أوفيدوس هاربا وجيشا القنصلين بتعقبانه،
وضيق عليهما الخناق شيئا فشيئا فوق سهل كاناي المكشوف، وذلك في اليوم الثالث من
شهر آب ـ أغسطس.
عندما
التقي الجيشان أعطي حنبعل إشارة البدء... ووجد الرومانيون أنفسهم يقاتلون في ظروف
مزدوجة السوء، كانوا منكفئين بعضهم علي بعض، محصورين الكتف الي الكتف، بينما كان
أعداؤهم يحومون حولهم بكامل حريتهم، كانوا منهوكي القوي، يواجهون عدوا متجدد القوة
شديد البأس. كان حنبعل يستعمل من بعيد إشارات معينة بدخان منطلق من حزم أعشاب خاصة
تطلق دخانا عاليا، وكل عدد من هذه المشاعل الدخانية يعني أمرا معينا. ولم تكد تحل
الظهيرة حتي اختفي الفرسان، فلم يبق فارس واحد بين مرتفعات كناي والمقر الصخري
المرتفع لقيادة حنبعل، وبقيت في هذا الامتداد كتائب مشاة الرومانيين مكدس بعضها
علي بعض، في كتلة بشرية هائلة صماء. وانطلق الفرسان النوميديون الخفاف كالبرق وعلي
رأسهم قائدهم مهر بعل فسدوا ثغرة فرار العدو المنهزم الهارب الي النهر. وكانت
الأرض في سائر الاتجاهات ضد الرومان، وتمعن حنبعل في هذا الموج البشري، وردد، في
نشوة، وصية والده حملقار برقا: دع الأرض تقاتل عنك... وترك قادة وحداته ينفذون
حرفيا خطته. وأبيد هذا الجيش الضخم. وعندما طلب منه رجاله أن يستريح أجابهم: ينبغي
علي الطهاة أن يعدوا وجبة شهية، ويسخروا لها كل فنونهم، وتقدم مصحوبة بالخمر الي
الجنود من سائر الرتب، فقد آن للجيش أن يستريح.
وهنا صاح
العجوز ماهربعل في غضب: حنبعل.. اسمع لي جيدا، في خمسة أيام يستطيع الجيش أن
يتناول هذه الوجبة في روما نفسها، سيسبقك فرساني كالبرق إليها، فيكتشف الرومانيون
بحلولك بينهم من خلال هؤلاء الفرسان المردة قبل أن يعلموا بخروجك اليهم... وتطلع
حنبعل مليا في وجه مساعده العجوز، ثم أجابه: هذا مما يسهل قوله، ويبهج القلب
سماعه، يا عمنا البطل، لكن امعان التفكير في الأمر وتقليبه علي عدة وجوه، يحتاج
الي وقت طويل. وهنا لم يتمالك ماهربعل نفسه فصاح فيه في غضب، وقال له قولته
الخالدة: حنبعل.. لقد حبتك الآلهة بنعم كثيرة، فأنت تعرف كيف تحرز النصر، ولكنك لا
تعرف كيف تستخدمه وتستغله... واستمع حنبعل لمساعده العجوز رفيق وصديق والده،
ومعلمه سائر أنواع القتال والفروسية والرياضة، تمعن مليا فيه ثم أمر باطعام الرجال.
وعند انتهاء جولته التفتيشية عاد الي مقر قيادته لينام نوما عميقا بين حراسه.
ويعقب
مؤرخو سيرة حنبعل فيجمعون علي أنه لو عمل برأي القائد الفارس ماهربعل لتمكن من
احتلال روما وتغيير مجري التاريخ.. بدون حسم سريع ـ مثلما يراه ماهربعل ـ لا أمل
في أن يكسب القرطاجيون الحرب في النهاية، لأنهم يقاتلون عدوا في بلاده، يملك تحت
يده الشعب والغذاء والمال، بينما هو بعيد عن قرطاج، قطعت عنه الإمدادات من هسبانيا
التي تمكن سكيبيو من السيطرة عليها، وعبر البحر المتوسط الذي تسيطر عليه الأساطيل
الرومانية سيطرة مطلقة، ولا أمل في أن ترسل قرطاج نجدات عبره لحنبعل. يذكر انه بعد
هذه المعركة ارسل حنبعل إلى قرطاج بثلاثة مكاييل من الخواتم الذهبية التي انتزعها
من جثث خمسة آلاف فارس روماني كغنيمة حرب ولتكون رمزا لانتصاره
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire